تعيد الأرقام التي كشفت عنها نتائج البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ “بيزا 2022″، بشأن التراجع الكبير في مستوى التلاميذ المغاربة علاقة بالكفايات المكتسبة في الرياضيات والعلوم والقراءة، إلى الواجهة السؤال حول المسؤول عن هذه الوضعية المقلقة التي تعيشها المدرسة المغربية والتي لم تنجح كل مخططات وبرامج الإصلاح إلى حد الساعة في انتشالها من أزماتها وتراكماتها التي تضع المغرب في كل مرة في أسفل المؤشرات العالمية في هذا الصدد، حيث تراجع حصد المملكة الرتبة الـ79 في مجال القراءة في مؤشر “بيزا” من أصل 81 دولة والرتبة الـ76 في العلوم ثم الرتبة الـ71 في الرياضيات.
وضعية لم يحتج المغاربة لـ”بيزا” أو غيرها لتأكيدها؛ فقد اعترف بهذا التراجع شكيب بن موسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، الذي سبق أن أكد أن 70 في المائة من التلاميذ المغاربة يواجهون صعوبة في القراءة والكتابة والرياضيات. كما اعترف أن 13 في المائة فقط من تلاميذ المستوى الخامس الابتدائي يجيدون إجراء عملية قسمة بسيطة.
نقص في الوسائل وضعف في التكوين
في تعليقه حول التصنيف المتأخر للتلاميذ المغاربة في هذا التقييم الجديد الذي نشر الثلاثاء، قال أحمد الغوال، مستشار تربوي، إن “معظم الروائز والتقييمات التي تشرف عليها عدد من المنظمات الدولية، على غرار بيزا، تربط تعلمات التلميذ بدرجة توظيفه لهذه التعلمات والكفايات في حياته المدرسية واليومية؛ وهذا ما لا تهتم به المدرسة المغربية”، مسجلا أن “الوزارة كانت تتذرع بكون التلاميذ غير مدربين على هذا النوع من التقييمات والروائز ليتم بعدها إجراء تدريبات للتلاميذ في هذا الصدد لتحييد الأدوات المستعملة وكي لا تشكل عائقا بالنسبة للتلميذ؛ غير أنه رغم ذلك لم يحقق هذا الأمر أية نتيجة، وتبين بالملموس أن المشكل الأساسي يمكن في قدرات التلاميذ وليس في طبيعة وأدوات هذه الروائز”.
وأضاف الغوال، أن “الأسباب المفسرة لهذا الضعف في قدرات التلميذ المغربي تجمع بين ما هو اجتماعي وبين اقتصادي ولوجستيكي وتربوي أيضا”، لافتا في هذا الصدد إلى أن “العالم القروي، على سبيل المثال، والذي يعرف نسب مرتفعة من الفقر والهشاشة، لا يشكل التعليم أولوية بالنسبة لساكنته، أضف إلى ذلك مشكل غياب البنيات التحتية من طرق ومدارس.. وهذه كلها أسباب تفرض نفسها، ولا يمكن تجاوزها في مقاربة هذا الموضوع في شموليته”.
أما الأسباب اللوجستية، سجل المتحدث ذاته، فتتلخص في “النقص الحاد في وسائل التعلم في المدارس، حيث ما زال الأستاذ هو من يتكلف بشراء اللوازم والأدوات لإلقاء الدروس؛ وبالتالي فإن خلق التميز في المدرسة المغربية يقتضي أولا توفير شروطه وتجاوز كل هذه الأسباب والعوامل التي تحول دون تحقيقه”، موضحا أن “استمرار تدريس التلاميذ في أقسام مشتركة في العالم القروي ومشكل الاكتظاظ في العالم الحضري لا يمكن أن نحقق معه النتائج المرجوة في هذا الإطار، ولا يمكن أن نطلب معه من الأستاذ أن يحقق لنا هذه النتائج”.
وأشار الغوال إلى “ضعف تكوين الأساتذة في التعامل مع هذه الوضعيات، حيث لا يتم تكوين الأستاذ على كيفيات التعامل مع الأقسام المشتركة أو المكتظة، إضافة إلى مشكل المناهج التعليمية والتربوية التي أُفرغت من محتواها وتم إضعافها بشكل كبير، حيث أضحت الطريقة التي تُصاغ بها الامتحانات والفروض لا تشجع أبدا التلميذ المغربي على الاجتهاد والإبداع”.
في المقابل، أورد المستشار التربوي أن “هذا كله لا ينفي وجود تجارب نموذجية في خلق التميز في المدرسة المغربية، كتجربة مدارس التميز على غرار مدرسة بن جرير؛ غير أن هذا التميز لم تساهم فيه الدولة وإنما ساهم فيه أشخاص معينون أو مؤسسات معينة، حيث توفر هذه المدارس تكوينا عاليا وتستقطب أساتذة أكفاء. كما تنفتح على التلاميذ في إطار أنشطة ترفيهية وتربوية موازية يشرف عليها أناس متخصصون فيما يُطلب من أستاذ المدرسة العمومية أن يفعل كل شيء”، مشيرا إلى أن “هذه المدارس أسست لتوفق وتميز مغاربة ليس فقط على المستوى الوطني وإنما على المستوى الدولي أيضا”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “التفوق في المغرب تصنعه كذلك الأسر التي تولي لتعليم أبنائها اهتماما بالغا، حيث توجهت بعض الأسر بعدما رفعت الدولة يدها عن التعليم إلى مواكبة أبنائها”، مسجلا في الوقت ذاته أن “التفوق والتميز ليس صعبا؛ ولكنه صناعة تتطلب توفير وسائلها وشروطها ومواكبتها أيضا، وأول هذه الشروط تحسين المنظومة الأجرية لأسرة التعليم والتي تعد من أقل المنظومات على الصعيدين العالمي والوطني أيضا”.
تراكم اختلالات ومشكل حكامة
من جهته، أورد عبد الناصر الناجي، خبير تربوي، رئيس جمعية “أماكن لتحسين جودة التعليم”، أنه “تجدر الإشارة أولا إلى بعض المغالطات التي وردت في بيان الوزارة في هذا الصدد؛ أولاها أن أرقام “بيزا” لا تتعلق فقط بالمؤسسة العمومية المغربية كما جاء في البيان، وإنما يتعلق بالمدرسة المغربية بشقيها العمومي والخصوصي.. وبالتالي فإن هذه النتائج تعكس وضعية التعليم في البلاد بصفة عامة، وكأن الوزارة تريد أن تبين أن التعليم العمومي وحدة من يشكو من هذا الضعف”.
وتفاعلا مع سؤال حول المسؤول عن هذه الوضعية، أورد الناجي، أن “الجميع يتحمل المسؤولية في هذا الصدد على رأسهم القائمين على الوزارة والحكومة بشكل عام، وليس فقط الحكومة الحالية وإنما جميع الحكومات التي تعاقبت على ملف التعليم والتي لم تتمكن من تحقيق طفرة حقيقية لتحسين جودة التعليم”، مضيفا: “في فترة من الفترات، كان هناك حديث عن تعميم التعليم على حساب الجودة، ثم أصبحنا نتحدث في الفترة الأخيرة عن جودة التعليم؛ ولكن لم نتمكن إلى حد الآن من بلوغ الجودة المنشودة، لمجموعة من الاعتبارات والأسباب”.
في استعراضه لهذه الأسباب المفسرة لهذا الوضع، لفت المتحدث ذاته إلى أن “الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين كانت قد ركزت في أهدافها على مسألة الجودة، ثم جاء القانون الإطار الذي ركز هو الآخر على هذه المسألة؛ غير أننا لم نمر بعد إلى تطبيق هذا القانون قبل أن يؤتى بخارطة الطريق المدرسية التي تجاهلت هذا القانون الإطار، وهو ما أفرز لنا إشكالات على مستوى استمرارية الإصلاح وانقطاعه”.
في هذا الصدد، أوضح الناجي أن “ظروف تطبيق هذه الإصلاحات والتصورات لا ترقى بدورها إلى المستوى المطلوب؛ ذلك أن المدخل الأساسي للإصلاح يمكن في الاهتمام بالعنصر البشري، سواء على مستوى التكوين حيث جرى استقطاب أساتذة بدون تكوين قبل أن يتم تكوينهم ولكن لفترات قصيرة لم تتعد بضعة شهور، ثم انتقلنا اليوم إلى تصور جديد من التكوين بالاعتماد على خريجي إجازات التربية ثم التكوين في المراكز الجهوية وبعدها التدريب في المؤسسات؛ غير أن هذا التصور لا يمكن أن نقطف ثماره إلا بعد سنوات وليس الآن”.
“الوضعية الحالية لقطاع التعليم هي نتيجة تراكم الاختلالات على مستوى تكوين المدرسين وتوظيفهم دون هذا التكوين كما حدث مع أطر الأكاديميات”، سجل المتحدث ذاته، معتبرا أن “هناك أيضا مشكلا مطروحا على مستوى آليات الحكامة داخل الوزارة الوصية والانتقال من مستوى التصور إلى مستوى التطبيق، ومن الإدارة المركزية وصولا إلى المؤسسة مرورا بالأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية؛ هذا الخط الطويل يشكو من اختلالات عديدة على مستوى فهم القرار أولا، وتحويله إلى إجراءات قابلة للتنفيذ وغياب التنسيق بين المتدخلين في هذا المسار، وهو ما ينعكس على التحصيل الدراسي”.
في السياق ذاته، أشار رئيس جمعية “أماكن لتحسين جودة التعليم” إلى أن “المؤسسات التعليمية لا تتمتع، اليوم، بالاستقلالية الكافية لاتخاذ القرار الذي يلائم خصوصيات كل مؤسسة؛ ذلك أن مديري المؤسسات ليست له أية استقلالية ويبقون مجرد مُنفذين لقرارات تأتي من فوق ولا يستطيعون اتخاذ قرارات انطلاقا من حاجيات المؤسسات التي يديرونها”، موضحا أن “الزمن المدرسي الرسمي، بدوره، والذي يعد بالنسبة للمغرب من أعلى الأزمنة في المنظومات التعليمية بما فيها المتقدمة، لا يتم استغلاله كله؛ وهو ما لا يمكن الأستاذ من الإلمام بجميع مكونات المقررات الدراسية”.