ممارسات "البيزوطاج" في مؤسسات التعليم العالي بالمغرب
يتجدد، مطلع كل موسم دراسي، النقاش المجتمعي بشأن ممارسات “إدماج أفواج الطلبة الجدد” أو ما يصطلح عليه “البيزوطاج” وجدواها في عدد من مؤسسات التعليم العالي في المغرب، سواء في معاهد أو مدارس عليا، يكون أغلبها غير تابع للجامعات.
وبعدما خفَت النقاش قليلا بشأن هذه الظاهرة طيلة الأعوام الثلاثة الماضية تزامنا مع مرور الجائحة الصحية المرتبطة بـ”كوفيد-19″، عاد بقوة عند بداية الموسم الجامعي الذي قُصَّ شريطه رسميا الاثنين الماضي 18 شتنبر الجاري بعدد من مؤسسات ومعاهد التعليم العالي.
في هذا الصدد، هناك رسالة مكتوبة موضوعها “شكاية” موجهة إلى المندوبية السامية للتخطيط باعتباره المؤسسة الوصية قانونيا على المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي قد “توصّلت الإدارة بنسخة منها بدون توقيع طلبة السنة الأولى خوفا على سلامتهم”.
وحملت المراسلة موضوعا تحت عنوان “إهانة وعنف بمعهدكم”، موردة على لسان الطلبة الجدد: “نعترض بشدة على الظاهرة الهمجية التي يُطلق عليها اسم البيزوطاج والتي لا علاقة لها بالممارسة التربوية؛ فكيف يُرغَم الطالب على الانحناء على ركبتيه ويُقيَّد من طرف أربعة أشخاص ويقوم الخامس بحلق جزء من شعره مُستبيحِينَ حُرمة جسده ويُسمّى هذا “بيزوطاج”؟
وتابعت مستنكرة: “هذه همجية ليس لها أية صلة بأخلاقنا ولا ثقافتنا ولا حياتنا الجامعية.. لكم أن تتصوروا الآثار النفسية جراء هذه الإهانة والمعاناة والحط من الكرامة التي تصاحب أبناءنا الذين من المفروض سيتحمّلون مسؤولية هذا البلد وهم مُحطّمو الكرامة، تَعلَّمُوا التخويف والخنوع قبل أن يتعلموا الاستقلالية وصقل المهارات الحياتية”.
وطالبت الوثيقة ذاتها “المندوب السامي للتخطيط الحليمي، بصفته المسؤول عن المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي INSEA’، بوقف هذه المهزلة وإحالة الفاعلين على المجلس التأديبي”، مشددة على “احتفاظ الطلبة بكل حقوقهم في المتابعة القانونية لكل المسؤولين عن هذا الاعتداء والحط من الكرامة في حرم مؤسسة وطنية”.
وتتباين الآراء بين من يرى في “البيزوطاج” مجرَّد “احتفالات” يقوم بها الطلبة القدامى في المدارس التحضيرية والمعاهد العليا والكليات عند كل بداية موسم دراسي لاستقبال الطلبة الجدد، مقابل من يعتبر “البيزوطاج” “ممارسات حاطّة من الكرامة الإنسانية تعرف تجاوزات عنيفة وعنصرية”.
“ظاهرة دخيلة”
تعليقا على الموضوع، سجل محسن بنزاكور، خبير في علم النفس الاجتماعي، أن “البيزوطاج ظاهرة دخيلة على المجتمع المغربي”؛ محيلا على “أنها كانت تُمارس في فرنسا على أساس إعداد الجنود المُلحَقين على اعتبار أن المنطق العسكري يتوقف على احترام تراتبية معينة في الدرجات”.
“في 2023، نحن بصدد الحديث عن مؤسسة جامعية وطنية لا علاقة بها بالنظام العسكري أو بالاستعمار؛ وبالتالي فإن الأصل أن يتلقى طلبتُها تكوينا في مكان آمن يعينهم في الانفتاح على مسؤوليات جسيمة لاحقا في تدابير الوطن”، أكد بنزاكور في تصريح لهسبريس، لافتا إلى أن “الموضوع يهمّ نخبة طلابية تتعلق بفئة المهندسين”.
وانتقد الخبير السوسيولوجي ذاته انتشار “عَقلية لبضع مجموعات تشكل تكتلات من بعض الطلبة القدامى وتخرق الأنظمة الداخلية للمؤسسات في غياب كلي للإدارة”، طارحا سؤالا عن دور “الإدارة في الإحالة على المجلس التأديبي في ظل تساهلها مع ممارسات تتنافى مع أقره نظامها الداخلي إلى الحد الذي قد يجعل من طالب ما عبدا للخريجين القدامى أو الأفواج السابقة؟”.
“الإشكال الذي يطرح هو أن يتم انتقال سلوكات “البيزوطاج” العنيفة والمهينة جدا عبر الأجيال عن طريق الانتقام؟”، قال بنزاكور، معددا أن “هذا الانتقام يولد ظواهر مرضية نفسية خطيرة؛ هي: اضطراب القلق، الخوف من المستقبل، عدم القدرة على المواجهة ما يكوّن شخصيات ضعيفة غير قادرة على مواجهة أعباء الحياة وولوج الحياة المهنية”.
وختم تصريحه بالتساؤل: “لماذا تتشكل هذه السلبية في سلوك الإدارة ما يجعل هيمنة الطلبة القدامى هي التي تفضي إلى ما لا قد يحمد عقباه؟”، قبل أن يوصي بتدخّل رسمي واضح يقطع مع هذه الأمور قبل استفحالها.
“طابع فرجوي لا يخلو من مساوئ”
من جهته، سار عادل غزالي، أستاذ وباحث في علم النفس الاجتماعي، في الاتجاه نفسه محذرا من الآثار النفسية السيئة التي قد تتركها ممارسات “البيزوطاج” على سيكولوجية الطالب المغربي.
وأكد غزالي أن “البيزوطاج” يعد “ممارسات متوارثة عن طريق العادة”، مسجلا أنه “يكتسي في الغالب طابعا فرجويا مثل احتفالات مصارعة الثيران أو التراشق بالطماطم”؛ ما يجعله قد يصير في خانة “المتوافق عليه مع مرور السنوات”.
بالمقابل، أكد الباحث في علم النفس أن “الممارسات التي تشهدها بعض المؤسسات الجامعية تخرج تماما عن منطق العقلانية لتصير لاعقلانية”، منبها إلى أن “الطلبة الجدد قد يخضعون لما يسمى طابع القوة القهرية الاجتماعية”، وضاربا المثال بما قد يحصل لأي موظف جديد بعد تعيينه من طرف زملائه القدامى.
وأثار غزالي، في تصريحه، “بعض التجارب القاسية التي يحكي أصحابها عن أن الطلبة القدامى يشعرون بنوع من المتعة وهم يمارسون البيزوطاج”، واصفا إياها بـ”متعة غير صحية ولا سليمة”.
وختم بالقول إن “كل مؤسسة جامعية تظل مستقلة في قرارها، على الرغم من أن أغلب الآراء تذهب في اتجاه ضرورة تجريم أو معاقبة مرتكبي هذه الظاهرة التي تشكل تجليا من تجليات الامتثال للجماعة”.