ما الذي تحقق بعد مرور 7 سنوات من نزيل رؤية إصلاح التعليم في المغرب؟
سكينة الصادقي
مرت حوالي سبع سنوات على انطلاق تنزيل الرؤية الإستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030، وهو ما يطرح أسئلة حول مدى بلوغ هذا الورش أهدافه، خاصة في ما يتعلق بتحقيق الإنصاف وتعليم ذي جودة.
ويرى فاعلون تربويون ومسؤولون سابقون أن هذا التنزيل لم يحقق بعد شروط منظومة تربوية منصفة وذات جودة، رغم تقدمه على مستوى وضع الإطار القانوني لهذا الإصلاح، والنجاح في تنزيل عدد من المشاريع.
خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، قال في تصريح لهسبريس إن فترة إعداد الرؤية اتسمت بنوع من الواقعية في اقتراح توجهات الإصلاح، باستحضار خصوصيات المغرب في مجال الهوية والتنمية، والإمكانات المتاحة للتنزيل، سواء من ناحية الموارد المادية أو البشرية، مع استحضار تحديات المستقبل؛ وهذا ما يفسر تملك معظم الفاعلين لهذه الرؤية والانخراط في تنزيل مقتضياتها.
واعتبر الصمدي أن نجاح المغرب في إخراج القانون الإطار 51-17 يعد مكتسبا يؤطر الإصلاح ويقطع مع الترددات والمراجعات والقطائع التي كانت تطبع الإصلاحات السابقة منذ الاستقلال، والتي تسببت في هدر زمن الإصلاح.
وأضاف المتحدث ذاته أنه فور صدور القانون تم تنزيل جملة من المشاريع الهامة التي انتظرها المغرب منذ وقت طويل، أهمها إعادة النظر في مجموعة من القوانين والأنظمة والتشريعات التي عمرت طويلا، وتكييفها مع مقتضيات القانون الإطار، وإطلاق ورش تعميم التعليم الأولي وإدماجه في التعليم المدرسي، الذي وصل فيه الإنجاز إلى أرقام متقدمة.
وذكر كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، في السياق نفسه، مأسسة وتطوير برامج الدعم الاجتماعي للتخفيف من حدة الهدر المدرسي والرفع من تكافؤ الفرص، وخاصة في العالم القروي والمناطق ذات الخصاص، وكذا بناء وتنزيل الإستراتيجية الوطنية لتكوين الأطر التربوية (برنامج مدرس المستقبل الذي انطلق سنة 2018)، وإعادة النظر في الخريطة الجامعية الوطنية وتوسيع العرض الجامعي.
كما أشار الصمدي إلى إطلاق برامج جديدة في مجال البحث العلمي وإعادة هيكلته، وتنزيل ورش إصلاح التكوين المهني بإطلاق إنشاء 12 مدينة للمهن والكفاءات في جميع جهات المملكة.
اضطراب في التنزيل
عملية تنزيل هذا الورش الوطني لم تخل من الصعوبات والإكراهات والاضطرابات على مستوى التنزيل، بحسب الصمدي، مشيرا في هذا السياق إلى التعامل مع مقتضيات القانون بنوع من الانتقائية، في غياب رؤية شمولية في تتبع الإصلاح، خاصة بعد توقف انعقاد اللجنة الوطنية لتتبع الإصلاح التي يرأسها رئيس الحكومة بحكم القانون، مم أسهم في انخفاض منسوب الحكامة والتنسيق بين القطاعات الحكومية المعنية بالإصلاح.
وسجل المتحدث بعض المراجعات لبعض المشاريع القائمة، وهو ما حذا بوالي بنك المغرب، في تقريره المرفوع إلى الملك سنة 2022، إلى أن يحذر من أثر هذه الترددات والمراجعات في الحيلولة دون تحقيق أهداف الإصلاح التي سطرها القانون.
وأفاد المسؤول السابق بأن القانون أحدث جملة من لجان الحكامة، التي أوكل إليها تنزيل مقتضيات الإصلاح وإعداد مجوعة من الدلائل المرجعية للتقويم والجودة، مثل اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج، وهي من الآليات التنفيذية المفصلية، مبرزا أن هذه اللجنة لم تخرج إلى حيز الوجود رغم صدور المرسوم المنظم لها، علما أنها أوكل إليها القانون إعادة النظر في البرامج والمناهج في مختلف مكونات المنظومة (المدرسي – التكوين المهني – البحث العلمي – التعليم العتيق)، معتبرا إياها مهمة جسيمة مؤثرة في كل مشاريع الإصلاح، وهو ما يجعل كل المقتضيات المعمول بها في المنظومة البيداغوجية غير مؤطرة قانونا وخارج مقتضياته، وأبرز مثال على ذلك هي الهندسة اللغوية المثيرة للجدل.
كما نبه الصمدي إلى أن المجلس الوطني للبحث العلمي الذي صدر مرسومه التنظيمي لم يخرج إلى حد الساعة إلى حيز الوجود، مضيفا: “إذا كان هذا المرسوم قد عوض اللجنة الدائمة للبحث العلمي والابتكار التي كان يرأسها رئيس الحكومة فإن إستراتيجية البحث العلمي تعيش على المستوى الإستراتيجي لحظة فراغ، وظلت إلى حد الساعة بدون إطار ناظم يرسم توجهاتها الإستراتيجية بتنسيق مع القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص والتعاون الدولي، ويضمن لها طرق التمويل والاستثمار القارة في البحث العلمي وغيرها”.
وأشار المتحدث إلى أن أبرز تحد يواجه تنزيل الرؤية الإستراتيجية ومقتضيات القانون الإطار يتمثل في انقضاء الآماد الزمنية التي حددها القانون للانتهاء من تنفيذ المخطط التشريعي (2019 – 2021) الذي يتم بموجبه تكييف جميع النصوص التنظيمية المعمول بها مع مقتضيات القانون الإطار، ما يطرح سؤال تعديل القانون بتمديد هذه الفترة احتراما لمقتضياته كأمر ملح حتى لا توضع الإجراءات التنفيذية التي تقوم بها الحكومة في دائرة البطلان.
وأكد الصمدي أن هذه التحديات جعلت رئيس مجلس النواب الجديد، الحبيب المالكي، في كلمته الافتتاحية للدورة الأولى، يعتبر طبقا لتوجيهات الملك أن ضمان الاستمرارية وخلق التراكم وتعزيز المكتسبات تعد أبرز التحديات التي تواجه المجلس، وأبرز انشغالاته في المرحلة المقبلة من هذه الولاية.
رؤية نقابية
من جانبه أكد يونس فيراشين، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، أن تحقيق أهداف الرؤية الإستراتيجية مازال بعيدا، على اعتبار أنها تحدثت عن ثلاثة أبعاد رئيسية، وهي مبدأ الإنصاف، ثم الجودة والارتقاء بالفرد والمجتمع، مبرزا أن المؤشرات تؤكد أن شرط الإنصاف لم يتحقق.
وسرد فيراشين، في السياق نفسه، مؤشرات سلبية متعلقة بعدد الأقسام المشتركة الموجودة على المستوى الابتدائي، خاصة في العالم القروي، والبالغة نسبتها 20 في المائة، والاكتظاظ؛ بالإضافة إلى مؤشرات الدعم الاجتماعي والبنيات والتجهيزات المتعلقة بالمؤسسات التعليمية التي من المفروض أن تشكل فضاءات بيداغوجية لتربية سليمة مازالت غير كافية، و”هذه مؤشرات تدل على أننا مازلنا بعيدين عن شرط الإنصاف”.
وسجل المسؤول النقابي بأسف توجه السياسات العمومية نحو المؤشرات الكمية، وإهمالها المؤشرات النوعية والكيفية المرتبطة بجودة المضامين التربوية، مشيرا إلى أن هذا الأمر راجع لعدم القيام بمراجعة عميقة للبرامج والمناهج التربوية منذ 2002، أي منذ 20 سنة.
وأردف فيراشين: “لم نوفر للمدرسين الظروف المهنية والاجتماعية والمادية لتأدية مهامهم، ومازلنا نناضل من أجل تحسين ظروفهم الاجتماعية والمهنية، على اعتبار أن المدرس لا يمكن أن يحقق أهدافه وأهداف المنظومة في ظل الاكتظاظ وتعدد المستويات وغياب وسائل العمل”.
وتابع المتحدث: “الرؤية الإستراتيجية لم تحقق أهدافها على الأقل خلال المدة التي مرت، وهي نصف المدة المحددة لها، ونأمل أن تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لدى الدولة لتحقيق إصلاح حقيقي وعميق للمنظومة التربية والتكوين، خاصة أن هنالك إجماعا على عدم تحقيق التنمية دون إصلاح حقيقي لمنظومة التعليم يحقق شرط تعليم عمومي مجاني لكافة المواطنين”.