الأقسام التحضيرية: إصلاح هل كان في محله ؟
المصطفى لعبو
قدم المركز الوطني للتجديد التربوي و التجريب خلال الموسم الدراسي الحالي (2021-2022) على تغيير طال مادة الفرنسية- فلسفة في الشعب العلمية ومادة الثقافة العامة والفلسفة في شعبة الاقتصاد. وهذا التغيير الذي أضفى عليه أصحابه تسمية “إصلاح” يثير ملاحظات كثيرة.
وفي البداية يجب التذكير بنقطتين أساسيتين قبل التطرق لموضوع هذه المداخلة:
أولا ليس من مهام المركز الوطني للتجديد التربوي و التجريب القيام بصياغة البرامج التعليمية وإنتاج المقررات المدرسية لأن هذه المهام تدخل ضمن اختصاصات مديرية المناهج التي أناط بها المشرع مهام تعديل المناهج المدرسية وإعداد الكتب المدرسية. ويقتصر دور المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب على التجريب.
ثانيا الكل يتذكر فضيحة بيداغوجيا الإدماج التي أشرف عليها المركز الوطني للتجديد التربوي و التجريب والتي تعد كارثة بكل المقاييس، نظرا لأن الدولة خصصت لها ميزانية ضخمة وتم التخلي عنها بسبب سوء تقدير المسؤولين في المركز الوطني للتجديد التربوي و التجريب.
ويبدو أن المركز الوطني للتجديد التربوي و التجريب قد انخرط هذا الموسم الدراسي في مغامرة غير محسوبة العواقب والتي يمكن أن تضع في مهب الريح منظومة الأقسام التحضيرية للمدارس العليا والتي تشكل نقطة الضوء والأمل في نظامنا التعليمي والتربوي الذي يعاني من إشكالات واختلالات جمة. ويتعلق الأمر بما سماه أصحابه ب”دعم الكفايات اللغوية” لدى طلبة الأقسام التحضيرية. ويكتنف هذا “المشروع” غموض كثيف يجعل الرؤية ضبابية، ونسوق بعض الملاحظات الأساسية:
– ما يثير الاستغراب أن الوثيقة التي أرسلت إلى الأساتذة العاملين بالأقسام التحضيرية لا تتضمن مفاهيم ومصطلحات بيداغوجية بل تستعمل عبارات فضفاضة لا تمت للبيداغوجيا والديداكتيك بصلة : فعوض تحديد المهارات والقدرات والكفايات التي يجب تنميتها وتطويرها لدى الطلبة تتحدث الوثيقة عن “طموح”؟؟؟
– إن الوثيقة المشار إليها لا تحدد الإطار المفاهيمي والبيداغوجي الذي يشكل الأرضية التي يتموقع فيها هذا “الإصلاح” : هل يتعلق الأمر بالمقاربة بالكفايات؟ أم ببيداغوجيا المشروع؟ أم ببيداغوجيا التعاقد؟ أم بمقاربات تواصلية؟ وإن دل هذا الأمر على شيء فإنما عن غياب تصور دقيق وواضح لعملية الإصلاح.
– إن هذا “الإصلاح” استنساخ مشوه للمقاربة العملياتية (Approche actionnelle) التي اعتمدها الإطار المرجعي الأوروبي الموحد (CEFR) الذي وضعه المجلس الأوروبي بهدف التحقق من القدرة اللغوية. وهذا الاختيار يطرح إشكالات عديدة لأن ذلك الإطار يرتبط بتعلم اللغات الأجنبية ومدى قدرة مستعمليها على التواصل، بينما في الأقسام التحضيرية تدرس اللغة الفرنسية على أساس أنها لغة أم أو على الأقل لغة ثانية وليس باعتبارها لغة أجنبية، لذلك فالطلبة يجتازون نفس المباريات مع نظرائهم الفرنسيين، كما أنهم يدرسون نفس المقررات الأدبية والفلسفية.
– هذا “الإصلاح” يلتهم ستة أشهر من السنة الدراسية، والخطير أن الطلبة يحرمون طيلة هذه المدة من دروس الثقافة العربية والترجمة التي كانوا يتعرفون فيها على كبار المفكرين المغاربة والعرب كمحمد عابد الجابري و العروي وطه حسين إلخ. وفي في الوقت نفسه فهم يحرمون من دراسة الكتب الفلسفية والأدبية التي تسهم في تنمية الحس النقدي وملكة التحليل والحجاج. إنه إعدام لدرس الفلسفة لغرض في نفس يعقوب، وما أحوجنا في الوقت الراهن للفكر الفلسفي والدرس الأدبي.
– إن الطلبة في فرنسا وفي مدارس البعثات الأجنبية وفي فرنسا وبعض البلدان مثل تونس يدرسون الأدب والفلسفة منذ السنة الأولى كما كان الشأن في بلادنا، وهذا الأمر يخلق نسفا لحظوظ طلبتنا الذين حرموا من دراسة المقرر منذ السنة الأولى؟ لأنهم لم يكتسبوا مهارات تحرير الإنشاء الفلسفي واختزال النصوص والاختزال التركيبي للنصوص، علما أن هذه المواد تسهم كثيرا في تنمية الفكر العلمي لدى الطلبة.
– إن لمركز الوطني للتجديد التربوي و التجريب لم يقم بأية دراسة علمية لتحديد حاجيات الطلبة في الأقسام التحضيرية، بل اعتمد على انطباعات بعض الأساتذة، فهل من المعقول زعزعة منظومة مهمة كالأقسام التحضيرية بناء على انطباعات وتأملات؟
إن نواقص هذا “الإصلاح” لا تعد ولا تحصى، ولا يتسع المجال للخوض فيها، ومن شأنها أن تقود إلى نسف منظومة الأقسام التحضيرية التي تشكل نقطة ضوء مشرقة، علما أن عملية الإصلاح كان يمكن أن تتم في إطار بيداغوجيا المشروع وذلك بالحفاظ على درس الفلسفة والأدب، وهذا أمر يمكن أن نعود إليه لاحقا.