هل استقال الآباء من تربية ابنائهم أم اصبحوا غير قادرين على التربية ؟


 هل استقال الآباء من تربية ابنائهم أم اصبحوا غير قادرين على التربية ؟
محمد بادرة


المؤسسة التربوية والى سنوات قريبة كانت تحتكر كل عمليات التربية والتعليم وتعتبر نفسها الوصي الشرعي الموكول إليه تكوين الأجيال وإعدادهم للحياة، وكانت تقصي مؤسسة الأسرة بل تعتبر تدخلها في العملية التربوية تطاولا على اختصاصاتها مما أدى إلى توليد قناعة لدى الآباء والأولياء بضرورة الاستسلام والابتعاد عن مهام المدرسة والمدرس.

هذه المهام الكبرى والمسؤوليات المتعددة هي التي حتمت على المدرسة فيما بعد للدخول في نسيج من العلاقات التربوية و التدبيرية مع مختلف المؤسسات الاجتماعية الأخرى بهدف التنسيق وتوزيع الأدوار فيما بينها لأنها أصبحت غير قادرة وحدها على تفعيل الإصلاح ومنجزاته. ومن الخطر أن تحتكرها لنفسها حيث هناك مؤسسات أخرى يتأثر بها الفرد كمؤسسة الأسرة التي لها دور في إعداد شخصية الفرد حتى يكون قادرا على التكيف مع متطلبات السلوك المدني الذي تبنيه وتغرسه وتقويه مؤسسة المدرسة .

ولأجل تقوية نسيج العلاقات مع مؤسسة الاسرة اكد الميثاق الوطني للتربية والتكوين أن على الآباء (الوعي بان التربية ليست وقفا على المدرسة وحدها وبان الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي تؤثر إلى حد بعيد في تنشئة الأطفال وإعدادهم للتمدرس الناجح كما تؤثر في سيرورتهم الدراسية والمهنية بعد ذلك )الميثاق الوطني  للتربية والتكوين – المادة 16.

انه ورغم وعي المشرع التربوي، ومؤسسات المجتمع وقناعة الجميع بضرورة الحوار بين المؤسسة التربوية وخلية الأسرة إلا أن عددا من الآباء والأمهات  يتهربون ويتملصون من مسؤولية المشاركة في قيادة عمليات التربية والتأهيل أو تقاسم المسؤوليات في بناء شخصية الفرد, مما زاد من ضعف تأثير مؤسسة الاسرة داخل وبين أجنحة فضاء المؤسسة التربوية.

القيم الاجتماعية في تنشئة الفرد و الصراع القيمي بين الاباء والابناء

تعد الاسرة احد الأنساق التي تمثل نقطة ارتكاز اساسية في تدعيم التوازن الاجتماعي وترسيخه، ومن هنا فان اي اختلال في بنية الاسرة او قصور تعتري اداء وظائفها سيترجم على شكل تصدعات في جدار البنيان الاجتماعي برمته، ومن تم يمكن التنبؤ بالدور الذي قد يلعبه التفكك الاسري وبخاصة اذا ما اقترن بظروف اقتصادية او معيشية صعبة، وهذا ما سينسحب ايضا على ظاهرة الرسوب المدرسي التي كشفت بعض الدراسات تورطها المباشر في افراز ظاهرة الانحراف والاحباط والعدوان.

ان مؤسسة الاسرة من شدة الخضوع والانصياع للأنساق القيمية والاجتماعية والعرفية في تنشئة الطفل الا وتسقط في لعبة تكرار ادوارها لما اعتادت عليه جيلا بعد جيل غير اخذة بعين الاعتبار المستجدات والمتغيرات التي تطرا كل يوم وكل ساعة على صعيد البنية المادية للمجتمع، مما يعرض هذه المؤسسة للفشل في تحقق الاهداف الاصلية التي وجدت من اجلها، فهي بادراك منها او بغير ادراك  تشل عملية التطور الاجتماعية التاريخية عبر تحجير الادوار المطلوب تأديتها ودون اي جهد في تكييفها مع معطيات الواقع الجديد،  فتنقلب الاسرة الى حاجز يفصل الفرد عن التعاطي مع الواقع الجديد كما هو وتصبح معيقا يشل قدراته، وتنقلب بالتالي الى مؤسسة تقمع الحاجات الفردية عوضا عن تلبيتها وتدفعه الى تحويرها بدلا من ان تطلقه لتطويرها، ومن هنا يجب  ضرورة ان تتحول الاسرة الى ميدان يتم فيه الاعداد لتقبل التغيرات بدل التصدي لها.

انه من العبث الاعتقاد باننا نستطيع تنشئة افراد الاسرة على نمط واحد يتكرر مع الجميع، ويتكرر مع كل الازمنة والامكنة، فالأبناء ما ان يكبروا حتى يجدوا انفسهم غير قادرين على العيش وسط معاصريهم الذين لا يشدهم اليهم اي توافق، وهم لن يكونوا ابناء زمنهم وعصرهم وثقافتهم وبالتالي فهم ليسوا في شروط حياة طبيعية.

ان الاعراف والقيم والافكار التي تحدد هذا النمط التربوي الاسري او ذاك لسنا نحن من صنعناها بل هي نتاج الحياة المشتركة، وهي تعبر عن ضروراتها، كما ان لكل لحظة من الزمن نمط تربوي-سلوكي–اجتماعي ضابط لا يمكننا الابتعاد عنه دون ان نتعرض لمقاومة عنيفة تكبح نزوات الانشقاق. لان (التربية تروض الفرد لكي يخضع بشكل اعمى للمتحد الاجتماعي حتى يكون ملكا للمجتمع (دوركهايم ).

وفي السنتين الاخيرتين عصفت جائحة كورونا بالمجتمع، وضربت بقوة كينونة الشخصية الاجتماعية وخلخلت كيان البنية الاجتماعية في لحظة زمنية مفاجئة لم يكن مجتمعنا جاهزا لمواجهة اثارها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، ولكن التأثير الاهم هو الذي مس نظام العائلة حيث ان الاجراءات الاحترازية من الحجر الصحي، والتباعد بين الناس، ومنع الاتصال بين العائلات، والمجموعات، ومنع التجمعات واغلاق المدارس والمساجد والملاعب والحدائق ادى الى حدوث تداعيات سلبية على بعض السلوكيات وعلى الثقافة الاجتماعية التي تميز افراد المجتمع(فالإحساس بالأمن والامان هو جوهر العلاقة بين الاباء والأمهات واطفالهم )ومع تزايد وانتشار هذا الوباء سيطر الخوف والقلق والدعر والوسوسة على الابناء والاباء والامهات مما ادى الى ظهور بعض المشكلات النفسية وحدوث مشاكل اجتماعية تحتاج من المؤسسات الاجتماعية (الاسرة)والتربوية(المدرسة)والدينية(المسجد) والصحية وسواها ان تقوم بدورها المأمول حتى تعود الطمأنينة والامن النفسي والاجتماعي للأسر والعائلات.

استقالة الاباء في الميزان و عجز عن القيام بالمهام

–        اننا عندما نرى الاطفال والشبان يتمردون على قواعد الاخلاق والقيم الاجتماعية التي(هي نتاج خبرات اجتماعية انتقاها المجتمع وتواضع عليها واقرها كقواعد تحدد السلوك وفق المقبول والمنبوذ اجتماعيا سعيا نحو تنظيم العلاقات بين الافراد وتحقيق الاشباع للحاجات في حدود الامكان). والاسرة كمؤسسة اجتماعية وكوكيل سيكولوجي للمجتمع  تلعب الدور الفعال في تعميم هذه القيم الاجتماعية على افراد المجتمع واخضاعهم لمنطقها ومنطلقاتها، لكن فشل الاباء او عجزهم في نقل وتثبيت السلوك الاجتماعي المتعارف عليه ناجم بفعل وجود تفاوت في هذه القيم والتي تختلف باختلاف الازمنة واختلاف الابعاد الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والجنسية الشيء الذي يؤدي بدوره الى تفاوت واضح في عملية التطبيع الاجتماعي للأبناء وبناء شخصية الفرد…

ان مؤسسة الاسرة عندما تسقط في لعبة تكرار ادوارها لما اعتادت عليه وفي ضوء خصائص محددة غير اخذة بعين الاعتبار المستجدات التي تطرا كل يوم كل ساعة على صعيد البنية المادية للمجتمع لا تحقق الاهداف الاصلية التي وجدت من اجلها، انها بادراك او بغير ادراك تشل عملية التطور الاجتماعية التاريخية وبالتالي تصطدم مع الواقع الجديد وتفقد السيطرة على توجيه الابناء وتخفق في تأطيرهم وتربيتهم وتكوينهم.. فيختل ميزان التوازن والانضباط بين افراد الاسرة وخصوصا بين الاباء والابناء.

–         اننا عندما نرى الاطفال والشبان يتعاطون التدخين و المخدرات والمسكرات داخل المؤسسات التعليمية والتربوية او خارجهما ويربطون ذلك بالمتعة والاثارة والقوة والنضج، وهم ضحايا يقعون تحت ضغط اجتماعي يبرز التدخين كعلامة للنضج والاستقلالية من خلال تمثل صورة ايجابية للمدخن او المدمن يتم فيها تضخيم الصفات المرغوب فيها بشكل يصل الى درجة الاقتداء. والارقام المخيفة لنسب المدخنين والمدخنات في صفوف التلاميذ والتلميذات يطرح السؤال المحرق عن مال القيم الاجتماعية والدينية امام تفشي هذه الظاهرة ؟ ولماذا فشل الاباء والمربون في الحد من هذا الانحراف؟ فهل هو شكل من اشكال الصراع القيمي بين الاباء والابناء؟ ام انتكاسة للمؤسسة التقليدية ام صعود وتغول ونفوذ المؤسسات الاعلامية والاقتصادية الجديدة؟

         عندما نرى الاطفال والشبان مدمنين على استعمال تكنولوجيا المعلومات بشكل متواصل ودون انقطاع ولساعات عدة كل يوم، يلتهمون كل وجباتها الافتراضية المعروضة على الشبكات العنكبوتية، و في هيمنة جو افتراضي على حياة هؤلاء الابناء فانه تحدث ازمة نفسية تؤثر على العلاقات المتبادلة بين البيت والمدرسة، ازمة تتلخص بضعف تأثير مؤسستي الاسرة والمدرسة على الطفل واليافع والشاب وفي غياب اي نوع من الرقابة “الذكية” اسريا ومدرسيا فيما يتعلق بتعامل الابناء مع الشبكة العنكبوتية.

من التأثيرات الاجتماعية والحياتية الناجمة عن الادمان الالكتروني، انتشار ما يمكن تسميته(بالتنمر الالكتروني–التحرش الالكتروني–التهكم الالكتروني– العنف الالكتروني- الحب الالكتروني …)وحسب العديد من البحوث والدراسات العلمية والتربوية ان الفرد اذا اعتاد على هذا الشكل من الاستهتار بالقيم الاجتماعية والاخلاقية ومال الى العدوان والعنف فانه سينخفض اداؤه الدراسي وتتناقص مهاراته الاجتماعية ويتعرض بشكل متكرر لمواقف محبطة دون ان يكون الاباء قادرين على توفير شروط الامن الاجتماعي والاخلاقي والتربوي امام هذه الجوائح الالكترونية التي تنفت سمها على شبكات الانترنيت.

–         عندما نرى الاطفال والشبان يعبرون عن تمردهم بأشكال عديدة مثل رفضهم ان يروضوا على قواعد النظافة والاكل والانضباط لنظام البيت او الانضباط في احترام اوقات الدراسة والعبادة … وعندما يفرطون في عدوانيتهم وساديتهم بإشكال عديدة من افعال تدمير الذات، فانه غالبا ما يأخذ التمرد شكل اضراب عام على قواعد البيت ثم الانسحاب من الاهتمام بالعالم الاسري والدراسي  فيحل الكسل و والتبلد محل الجد والاجتهاد،  ثم يبدا بعد ذلك صراع القوة بين الاباء والابناء.

–         عندما نرى اطفالا وشبانا في عز فصل الشتاء يذهبون الى المدرسة بقمصان وسراويل قصيرة او غير لائقة، او نراهم يتسكعون في الشوارع الى وقت متأخر من الليل، نفهم وكانه لا وجود لسلطة ابوية بالمنزل لتنبههم او تنصحهم باللباس الدافئ او بالنظام الداخلي للبيت، ونتساءل هل الاباء “استقالوا من مهامهم” وهي مقولة تتكرر كثيرا على افواه كل الناس لإثارة انتباه الراي العام لظاهرة الاطفال والشبان الذين خرجوا عن سلطة الاباء او تركوا واهملوا دون حسيب او رقيب.

ان السلطة الابوية تشكل اليوم موضوع اهتمام متزايد من طرف علماء الاجتماع ورواد التربية، فالعجز والاخفاق امام ظاهرة تمرد وجنوح الابناء يجعل العاملين في الميدان التربوي، والمشرعين وفقهاء القضاء والقانون، والمساعدين الاجتماعيين والنفسانيين واعين بان كل عمل منجز خارج دائرة التعاون مع الاباء لا جدوى منه، كما ان عبارة اباء مستقيلون لا تجد مكانها داخل المجال المدرسي، فعلماء الاجتماع والممارسون الاجتماعيون يفضلون استعمال( اباء عاجزون)، وهذا العجز الذي يبديه الاباء تجاه ابنائهم وبناتهم جعلت العالم النفساني لوسورد يرى انه(عندما يكون الراشدون ضعافا فانه لا ينصح بمعاقبتهم مخافة تحطيمهم، فالصدمة ضرورية لإيقاظ العقل الباطني، ولكن النزاع مع الراشد لا يجب حدوثه. كما ان هذا النزاع العلائقي الفردي ينساب ليعبر عن نفسه في اطار الواقعية الاجتماعية حيث الشاب يصطدم بأولئك الذين هم اقوياء من فئات اجتماعية راقية او من ذوي المناصب والنفوذ.. وحين يصطدم بهذه الفئات او يواجه مؤسسة تملك سلطة العقاب يندفع الى العنف).

ان الاطفال الذين يعانون من فقدان شخصيتهم نتيجة القمع والعنف في الشارع والمدرسة والبيت على حد سواء، ويترعرعون في وسط يسوده (الاتجاه التسلطي في التنشئة ضمن اتجاهات غير سوية اخرى) ينتمون في كثير من الاحيان الى اسر وعائلات -ان لم يكن اغلبها- يكون فيها الآباء انفسهم يرزحون تحت عبء التسلطية كقيمة في الثقافة السائدة، تمتد الى ابعد من الاسر لتشمل الحياة الاجتماعية والسياسية ووسائل الاعلام وغيرها من الجوانب الاخرى للثقافة بوجه عام، وحتى برامج الاطفال المعتمدة في كل البرامج والوسائط  لا تنمي شخصية الطفل حيث تبدو لنا هذه الشخصية(مفقودة في المدرسة كما هي مفقودة في البيت، ولا يوجد مجال للطفل يعينه على ان  يتعود في وضع قرار معين لنفسه، فكل شيء معد له حتى الزي المدرسي).

وفي مقابل هؤلاء الاطفال والمراهقين المرهقين بالتنشئة الاجتماعية القائمة على الخضوع والانصياع فتتولد لديهم شخصية ضعيفة، هناك ابناء عنيفين ” تيسر” لهم اكتساب السلوك العدواني واعتادوا الاستجابة عدوانيا للصراع المتبادل بينهم وبين أولياء امورهم، و بعض الدراسات الميدانية بينت ان العائلات الاكثر مسا بجنوح المراهقين هي العائلات الاقل ادماجا اجتماعيا ومن هنا تبدو مقولة “اباء غير قادرين” وليس “مستقيلين” صائبة وسليمة افتراضا وواقعا. فسوء الاوضاع الاجتماعية ( البطالة مثلا ) قد تكون من الاسباب الرئيسية لهذه الظاهرة، فقد نجد الاباء يعاملون ابنائهم داخل البيت معاملة حسنة، وليس هناك ما يعكر صفوف الاسرة داخل البيت، لكن هناك انفساخ بين الداخل اي العائلة حيث الابناء يحترمون ابائهم ويتقاسمون معهم نفس القيم والعالم الخارجي حيث الابناء في قطيعة مع القيم الاجتماعية.

كيف يمكن للاب العاطل عن العمل ان يلعب دور النموذج الايجابي ازاء ابناء غارقين في عالم ركائز وجوده هو التملك والربح والسلطة، عالم تسوده قيم الاستهلاك والاقتناء وتحقيق الارباح ولا يهم من اين جاءت هذه الثروة؟؟ هؤلاء الاباء العاطلون مكانتهم الاجتماعية عند الابناء هي موضوع تساؤل !! وهم الذين يمكن نعتهم كما نعتهم عالم الاجتماع سعيد بوعمامة بالحاضرين الغائبين، هم حاضرون جسديا داخل العائلة وغائبون رمزيا، الشيء الذي يوصف بشكل سطحي من طرف وسائل الاعلام والمتدخلين الاجتماعيين “بالاستقالة”. هؤلاء الاباء ليسوا مستقيلين عن مهامهم الابوية بل هم منغلقون داخل خطاب ثنائي، فعليهم ان تكونوا سلطويين ابويين لكن الوسائل المتاحة لممارسة هذه السلطة ممنوعة او محدودة. فيحسون من جراء انعدام سلطتهم على الابناء انهم محتجزون داخل ثقافتين (الاباحة والمنع) فكيف يمكن للأبناء ان يحترمونهم دون ان يكون لنا الحق في معاقبتهم ، هكذا يتساءلون ؟

يجب ان يكون مفهوما بكل وضوح ان الحرية في التربية لا تعني ترك الحبل على الغارب او اطلاق العنان للأفعال الاعتباطية، فتركيب الجنس البشري شانه شان اي جنس اخر له خصوصيته وهو لا يستطيع ان ينمو الا وفق ما يتطلبه هذا التركيب من معايير ومن تم لا تعني الحرية التحرر من كل المبادئ المرشدة وانما تعني حرية من اجل النمو وفقا لقوانين بناء الوجود الانساني، والنظام الاجتماعي القائم.

لذا فان اعادة تنشيط الوظيفة العائلية ضرورية، لان (ازمة الانتساب التي تتسع كل يوم تضع الجيل الصاعد في حالة تمزق، والمنفذ الوحيد امامنا يكمن في اعادة تنشيط الوظيفة العائلية المتعلقة بنقل القيم، فهي الضمانة الوحيدة للالتئام الاجتماعي).

يتساءل عالم النفس بيير كامر كيف ان الاباء لم يعد لهم لا محاسب ولا مساند، كما يستغرب عن محاولة المؤسسات الجديدة التي تسعى الى تغيير الوظيفة الابوية وهو ما سيؤدي الى اقبار دور مؤسسة الاسرة، ويدفع الاب الى الشعور بانه غير مسؤول عن خلق الترابط الاجتماعي والحفاظ عليه.

انه لا يمكن الاستغناء عن سلطة الاب او الاسرة في التنشئة الاجتماعية عامة والتربية خاصة، وتتبين اهميتها كوسيلة ضرورية لتعديل سلوك الاطفال والمراهقين، واصلاح المنحرفين منهم كما ان الحاجة تزداد الان الى سلطة الاب والعائلة. فها هي مارتين اوبري في فرنسا وفي بلد فلاسفة الانوار وتربية التحرر، تطلب النجدة من مؤسسة الاسرة لمواجهة ظاهرة العنف والجنوح في صفوف المراهقين، وتدعو العائلات الى مواجهة هذه الوضعيات التربوية الشاذة والتي تشعر الدولة بالضعف امامها. كما تؤكد ان الامر لا يتعلق بالتنديد بالعائلات التي قد تكون ” مستقيلة” وجعلها السبب في كل المشاكل والازمات  المتعلقة بنشاط وسير المجتمع، بل ان الامر في نظرها على العكس من ذلك  انه ضرورة الاعتراف الكلي بدور العائلات ودور الاباء داخل المجتمع وليس اقبار سلطتهم ودورهم في عملية الانضباط التربوية.

ان اتهام الاباء بالاستقالة وبتقصيرهم في تربية ابنائهم لن يعالج مشاكل منظومتنا التربوية او ازمة قيمنا او سلوكات ابنائنا …بل بالعكس قد يبعدنا عن مواجهة المشاكل الحقيقية.

اليوم سلطة الاباء في الميزان فليعمل الجميع لان تعود الى وضعها الصحيح، وتمارس بطريقة حكيمة ومتبصرة ومطابقة لمقتضيات العصر.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال